ابو طیب المتنبی و حیاته العلمی
1403/12/30

ابو طیب المتنبی و حیاته العلمی

توضیحات

این یک مونوگراف تکمیل بوده که پرپوزل هم دارد شما میتوانید با پیام گذاشتن در وتسپ ما آن را دریافت کنید

وتسپ:۰۷۹۹۱۱۸۸۳۱

مونوگراف به صورت تضمینی بوده که نیاز به تغیرات ندارد و قبلا دفاع و ارایه شده است

---------------------------------------------

الفصل الأول

 

سيرة المتنبي

التعريف بأبي الطيب المتنبي

التعريف بأبي الطيب المتنبي المتنبي هو شاعرٌ وحكيمٌ عربيٌّ شهيرٌ، عُرف بشخصيته المميزة وما كان يكتنفها من غموض، وشعر المتنبي حيّر الناس، واستعصى عليهم فهم مقاصده، وهي الأسباب التي دعت ابن رشيق ليلقِّبه ببمالئ الدنيا وشاغل الناس، والجدير بالذكر أنّ شاعراً لم يحظَ شعره بما حظي به شعر المتنبي من اهتمامٍ وعنايةٍ، إذ قام بشرحه أفذاذ اللغة وعلماؤها، ومنهم عالم النحو الكبير ابن جنّي، والشاعر أبوعلاء المعرّي، واللغويّ المعروف ابن سيّدة، وقد ترك المتنبي وراءَه عدداً كبيراً من القصائد المتنوّعة، والتي بلغ عددها ثلاثمائة وستة وعشرون قصيدةً، وتعتبر هذه القصائد سجلّاً تاريخياً لأحداث عصره في القرن الرابع الهجريّ، كما وتعتبر بمثابة سيرةً ذاتيةً للشاعر، حيث يستطيع القارئ من خلالها معرفة كيف جرت الحكمة على لسانه وكيف تطورت، لا سيّما في قصائده الأخيرة قبل موته  ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع في حضرة سيف الدولة في حلب أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرماً مميزاً عن غيره من الشعراء في حلب. وهو لا يرى إلا أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظنون أنه حصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة، إلى المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده، إلا أنه مطمئن إلى إمارة حلب العربية الذي يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتمل أيضاً هذا التمجيد لنفسه ووضعها أحياناً بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه. ولربما احتمل على مضض تصرفاته العفوية، إذ لم يكن يحسن مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان.

أحس بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف الدولة بأنه غير راض عنه، وتنقل إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير. وبدأت المسافة تتسع بين الشاعر والأمير، ولربما كان هذا الاتساع مصطنعاً إلا أنه اتخذ صورة في ذهن كل منهما. وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح لهُ بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وأصابته خيبة الأمل لاعتداء ابن خالويه عليه بحضور سيف الدولة حيث رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة، فلم ينتصف له سيف الدولة، ولم يثأر له الأمير، وأحس بجرح لكرامته، لم يستطع أن يحتمل، فعزم على مغادرته، ولم يستطع أن يجرح كبرياءه بتراجعه، وإنما أراد أن يمضي بعزمه. فكانت مواقف العتاب الصريح والفراق، وكان آخر ما أنشده إياه ميميته في سنة 345 هـ ومنها: (لا تطلبن كريماً بعد رؤيته). بعد تسع سنوات ونصف في بلاط سيف الدولة جفاه الأمير وزادت جفوته له بفضل كارهي المتنبي ولأسباب غير معروفة قال البعض أنها تتعلق بحب المتنبي المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي في قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها، وكان هذا مما لا يليق عند رثاء بنات الملوك، وانكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بالمتنبي.

فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه حساده ومنافسوه من حاشية الأمير. فأوغروا قلب الأمير، فجعل الشاعر يحس بأن هوة بينه وبين صديقه يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا فلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم، فغادر حلب، وهو يكن لأميرها الحب، لذا كان قد عاتبه وبقي يذكره بالعتاب، ولم يقف منه موقف الساخط المعادي، وبقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبو الطيب إلى الكوفة وبعد ترحاله في بلاد عديدة بقي سيف الدولة في خاطر ووجدان المتنبي.أن هناك دلائل متزايدة في بحوث الطب النفسي عن علاقة الإبداع الأدبي بالأمراض النفسية وخصوصا اضطرابات المزاجوبالإضافة الى أهميةهذه البحوث في فهم عملية الإبداع فأنها مهمة كذلك في توعية الجماهير ضد الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي من خلال إبراز كون العديد من المبدعين كانوا مصابين بالأمراض النفسية. لقدعاش المتنبي في زمن مضطرب من التاريخ العربي لا يقل اضطرابا عن زماننا هذا. كذلك مرهو شخصيا بأحداث حياتيه ومشاكل عاطفية جله –إنعكست في شعره- لابدوأن كان لها تأثير على مزاج المتنبي وصحته النفسية وكما نعرف اليوم من أبحاث الطبالنفسي. في هذه الدراسة حاولت البحث ومن خلال شعر المتنبي عن العلامات السريرية للاضطرابات الاكتئابية في مختلف مراحل وأزمات حياته.

 

 

من هو المتنبي

هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي ولد في مدينه الكوفة )في العراق( في محله كنده سنه ٣٠٣هجريه وعدا ديوان شعر المتنبي فأن ما هو معروف عن سيرة حياته فهو القليل المأخوذ عن روايات منقولة ومختلف فيها في كثير من الأحوال. والد المتنبي كان سقاءا ليس ذي صيت وشأن ووالدته توفيت في صباه ونعرف القليل عنهما إذ لم يتناولهما شعره. ويبدو أن المتنبي قد تربى على يد جدته بعد أن قضى فترة من طفولته في البادية. ولقد ذكر جدته في شعره مسميا إياها أما ونعرف عنها أنها من صلحاء النساء العربيات في الكوفة ولقد رثاها المتنبي حين ماتت في غيابه بقصيده مشهورة مطلعها ألا لا أرى الأحداث مدحا ولا ذما فما بطشها جهلا ولا كفها حلمالزم الوراقين وقرأ على أكابر العلماء الذين منهم الزجاج وأبا إسحاق والسراج وأبا بكر ونفطويه وأبن رستويه ولقد أهتم بأبي تمام والبحتري وبشار وأبي نواس كما قرأ الفلسفة والمنطق والتصوف ) .(٤وقد كان واسع الإطلاع بالعربية شعراً ونثرا )لا يسأل عن شيء إلا وأستشهد لهمن كلام العرب عاش طفولته في زمن مضطرب في نهاية الخلافة العباسية ) .(٦وقد صلب الحلاج بعد أن عذب بسبب اعتقاده الصوفي عندما كان المتنبي طفلاً في السادسة من العمر. وشغلت العباسيين فتن الخوارج والزنج والقرامطة. فقد قتل الخليفة المعتضد في بغداد سنة ٣٢٠هج وكان قد خلع قبل قتله مرتين. ويستولي البويهيون على بغداد عام ٣٣٤هـ ويستولي الأخشيديون على حكم مصر عام ٣٢٣هـ كما يؤسس الحمدانيون دولتهم في شمال الشام بعد صراع معالإخشيديين  واذا كان المتنبي قد عاش فترة انهيار الحضارة العربية الإسلامية فقد جعله ذلك يسعى لإنقاذ روح هذه الحضارة ومن خلال شعره ) .(٤لقد هاجم القرامطة الكوفة عام ٣١٢هـ/ ٩٢٧م مما جعل عائلته تنتقل إلى بلدة السماوة هرباً حيث عاش سنتين قبل رجوعه إلى الكوفة عام315هج ولم يبق طويلاً إذ توجه إلى بغداد في عام ٣١٦هـ )٩٢٨م( ومنها إلى اللاذقية ومنها الى مختلف مدن الشام. أعتقل وأودع السجن في العام ٣٢٢هـ ]٩٣٤م[ حين أتهم بإدعاء النبوة بسبب أبيات قالها ثم أطلق سراحه أثر تدخل أحد الأمراء. تزوج في العام ٣٢٩هـ]٩٤٠م[ على الأرجح من شامية أنجب منها ولده الوحيد محسد. أستمر بالانتقال بين الشام ومصر إلى أن أستقر به المقام في حلب عند أميرها سيف الدولة الحمداني الذي جعله شاعره المفضل سجل مفاخر ومعارك هذا القائد العربي إلى أن أوقع الحاسدون بينه وبين سيف الدولة فسافر المتنبي وقلبه مليء بالأسى عام ٣٤٦هـ]٩٥٧م[ إلى دمشق ثم إلى مصر حيث أتصل بحاكمها كافور الإخشيدي. ولما لم يجد عند كافور المكانة التي تليق به والتي وعد بها رحل هاربا من مصر إلى نجد ثم إلى الكوفة التي بلغها في ٣٥١هـ 962 توجه بعد ذلك إلى بغداد ومنها سافر إلى بلادفارس حيث وصل أرجان بشيراز في عام ٣٥٤هـ ]٩٦٥م[ حيث مدح عضد الدولة البويهي الذي أجزل العطاء اليه. توجه في نفس العام إلى بغداد ثم منها إلى الكوفة حيث قتل في الطريق إليها عند دير العاقول على يد أقارب رجل يدعى ضبة كان المتنبي قد هجاه. قتل مع المتنبي أبنه المحسد وكل من كان معه من خدم ومرافقين وتناثرت كتبه وأوراقه وبينها ديوان أبي تمام شاعر المتنبي المفضل. وقد رثاه الطبسي بقوله. نشأة أبي الطيب المتنبي وعلمه التحق المتنبي بكُتَّابٍ كان فيه أبناء أشراف العلويين لتلقّي علوم اللغة العربية من شعر، ونحو، وبلاغة، وكان إضافةً إلى ذلك يقضي معظم أوقاته ملازماً للورّاقين لكي يقرأ في كتبهم فاكتسب معظم علمه من ذلك، وقد عُرف عن المتنبي حبه الشديد للعلم والأدب، كما أنّه تمتع منذ صغره بالذكاءِ وقوة الحفظٍ، وقد أخبر أحد الرواة قصةً طريفةً عن قوة حفظه في صباه، وهي أنّ أحد الوراقين أخبر أنّ أحدهم جاء ليبيع كتاباً يحوي نحو ثلاثين صفحة، وكان المتنبي عنده حينها، فأخذ الكتاب من الرجل وصار يقلّب صفحاته ويطيل النظر فيها، فقال له الرجل: يا هذا لقد عطلتني عن بيعه، فإن كنت تبغي حفظه في هذه الفترة القصيرة فهذا بعيدٌ عليك، فقال المتنبي: فإن كنت حفظته فما لي عليك؟ قال الرجل: أعطكيه، فقال الوراق: فامسكت الكتاب أراجع صفحاته والغلام يتلو ما به حتى انتهى إلى آخره، ثم استلبه فجعله في كُمِّه ومضى لشأنه. أقام المتنبي في البادية أكثر من سنتين عاشر فيهما الأعراب وأفاد منهم، حيث اكتسب الفصاحةَ وتمكّن من اللغة العربية بشكلٍ كبيرٍ، ومن الجدير بالذكر أنّ المتنبي كان كثير الرواية جيد النقد، وكان من المكثرين من نقل اللغة والمطّلعين على غريبها وحوشيِ ها، كما أنّه لم يكتفِ بما حصل عليه من علمٍ من مصاحبة الأعراب في البادية، ومن ملازمة الورّاقين، ولا ممّا تعلّمه في كتّاب الكوفة، بل اتصل أيضاً بالعلماء وسافر إليهم وصاحبهم، وتعلّم على أيديهم، ومن هؤلاء العلماء: السكّري، ونفطّويه، وأبي بكر محمد بن دريد، وأبي القاسم عمر بن سيف البغداديّ، وأبي عمران موسى.

رحلة المتنبي إلى بلاد الشام ولقائه بسيف الدولة

ذكر المعرّي في رسالة الغفران أنّ أبا الطيب كان قد رحل إلى بلاد الشام سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ويقال إنّه كان في الثامنة عشرة من عمره آنذاك، وكان يرنو إلى المجد والعلياء، وهذا ما جعله يقيم في الشام وينظم شعر المديح، وكانت حينها قد قامت في المنطقة حروب عدّة بسبب الصراع على السلطة، انتهت بسيطرة سيف الدولة الحمدانيّ على حلب سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وبقاء دمشق تحت سيطرة الإخشيدييّن، ممّا دفع المتنبي حينها لمدح بعض الرجال الذين حاربوا في تلك المعارك أمثال: مساور بن محمد الرومي، والحسين ابن عبد الله بن طغج، وطاهر العلوي، إضافةً إلى مدحه لبعض رؤساء العرب الذين التقاهم في طريقه إلى الشام لا سيما حين أقام في منبج، أمثال سعيد عبد الله بن كلاب المنبجي، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المتنبي كان قد سُجن في الشام أيام شبابه- كما سبق الذكر- عند ذكر أسباب تسميته بالمتنبي، وقد أجمع الرُّواة على ذلك، كما أنّ المتنبي نفسّه أخبر عن ذلك في شعره، إلا أنّه كان قد اختلف مع رواة سيرته في أسباب السجن، إضافةً إلى اختلاف الرواة فيما بينهم. تنقّل المتنبي في بلاد الشام مادحاً أمراءها، وكان في مدحه لهم يحثّهم على التصدي لأعداء العرب المتربّصين بالدولة من الخارج والداخل، لا سيّما الروم الذين كانوا يشنّون الغارات الحربية على الجيوش العربية، فأقام المتنبي عند بدر بن عمار والي طبريّا فترةً من الزمن امتدت من سنة 328هـ إلى أوائل سنة 333هـ، ثم اتّصل بعد ذلك بأبي العشائر الحمدانيّ والي أنطاكية، والذي يتبع للأمير سيف الدولة الحمدانيّ، ومنه اتصل بسيف الدولة الحمداني، فشعر المتنبي حينها أنّه عثر على ضالّته، إذ وجد في سيف الدولة صفات القائد التي كان يَنشُدها في الحاكم العربيّ، فقد كان سيف الدولة فارساً هُماماً، وكان أكثر بني حمدان فِطنةً وذكاءً، وحباً وإخلاصاً للعرب، وغيرةً على دينهم، فكان يسعى إلى توحيد العرب وإعادة مجدهم السليب وسلطتهم المُنتزعة، وكان أثناء ذلك يتصدّى لهجمات الروم المتكررة على العرب، فوضع المتنبي آماله في استعادة عزّة العرب بين يديه، ونشأت بين الشاعر والأميرعلاقة ودٍ ومحبةٍ قلّ مثيلها، فعاش المتنبي في كنف سيف الدولة أزهى أيام حياته، ونظم فيه الشعر الذي خلّد ذكره على مر العصور. أقام المتنبي عند سيف الدولة تسع سنين انقطع فيها لمدحه، وكان أول ما قاله في مدحه في شهر جمادى الأولى سنة 37هـ، حيث مدحه بقصيدةٍ ميميةٍ مطلعها وَفاؤكُما كالرَّبْع أشْجاهُ طاسمه بأنْ تُسعِدا والدّمْعُ أشفاهُ ساجِمُهْ وكانت آخر مرةٍ أنشده مادحاً في سنة 345هـ، في قصيدةٍ ميميةٍ مطلعها: عُقْبَى اليَمينِ على عُقبَى الوَغَى ندمُ ماذا يزيدُكَ في إقدامِكَ القَسَمُ كما وأنشده أيضاً في نفس العام مودّعاً إيّاه في قصيدةٍ استهلّها قائلاً:أيَا رَامِياً يُصْمي فُؤادَ مَرَامِهِ تُرَبّي عِداهُ رِيشَهَا لسِهامِهِ كانت الفترة التي مكثها المتنبي إلى جانب سيف الدولة أكثر فترات حياته عطاءً، فقد نظم في سيف الدولة أكثرمن ثمانين قصيدةٍ ومقطوعةٍ، كانت من أجود وأروع شعره، بل تستحق أن يقال عنها إنّها من أجمل ما نظم العرب، وقد تنّوع شعر أبي الطيب في تلك الفترة مع تنوع أحداث حياة سيف الدولة، فقد كان شعره خلال تلك السنوات يدور في فلَكه رغم تنوّع فنونه، فحين كان الأمير يحارب كان المتنبي يمدحه ويصف بطولاته في المعارك سواء كان منتصراً أم مهزوماً، وحين كانت تثور عليه الرّعية ويعيدها إلى طاعته بحنكته، كان المتنبي يمدحه معجباً بأُسلوب تعامله مع رعيته، بالإضافة إلى ما كان ينظمه من رثاء عند وفاة أحد خاصته، ولا يخلو الأمر من أشعار عتاب واستعطاف كان ينظمهما حين يشي بينه وبين الأمير الوشاة ليعيد العلاقة بينهما إلى صفوها، ولم يتورّع المتنبي عن هجاء حسَّاده وخصومه عند الحاجة، وكان هذا إلى جانب اهتمامه في وصف جهاد المسلمين ضد الروم، حيث أبدع في هذا الفن القديم ونّماه وطوّره. لم يدُم للمتنبي نعيم الود بينه وبين سيف الدولة، فقد أوغر الحُسّاد والوشاة صدر الأمير على الشاعر، فكان يدافع عن نفسه بالهجوم تارةً كقوله في لاميته: أفي كلّ يوْمٍ تحتَ ضِبْني شُوَيْعِرٌ ضَعيفٌ يُقاويني قَصِيرٌ يُطاوِلُ لِساني بنُطْقي صامِتٌ عنهُ عادِلٌ وَقَلبي بصَمتي ضاحِكٌ منهُ هازِلُ وبالاستعطاف تارةً أخرى كقوله في داليته الشهيرة: أزِلْ حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بكَبتِهمْ فأنتَ الذي صَيّرْتَهُمْ ليَ حُسّدَا إذا شَدّ زَنْدي حُسنُ رَأيكَ فيهِمُ ضرَبْتُ بسَيفٍ يَقطَعُ الهَام مُغمَدَا وبالافتخار بنفسه مرات عدة كقوله: وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا فَسَارَ بهِ مَنْ لا يَسيرُ مُشَمِّراً وَغَنّى بهِ مَنْ لا يُغَنّي مُغَرِّدَا أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى وكان افتخاره بنفسه وازدراؤه لخصومه يزيدهم بغضاً به وحسداً له، فيزيدون كيّداً ووشايةً للإيقاع بينه وبين الأمير، إلى أن نجحت مساعيهم في ذلك مرّة فغضب منه فيها سيف الدولة وجافاه، فأنشد المتنبي قصيدة يعاتبه بها وكان مطلعها: وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ وَمَنْ بجِسْمي وَقلبي عِندَهُ سَقَمُ ثم ندم واعتذر منه بقصيدة أخرى قال في مقدمتها: ألا ما لسَيفِ الدّوْلَةِ اليَوْمَ عَاتِبَا فَداهُ الوَرَى أمضَى السّيُوفِ مَضَارِبَا إلى قوله: وَإنْ كانَ ذَنْبي كلَّ ذَنْبٍ فإنّهُ مَحا الذّنْبَ كلَّ المَحوِ مَن جاءَ تائِبَا فعفا عنه الأمير، وهدأت الأحوال بينه وبين خصومه فترةً من الزمن ليست بطويلةٍ ما لبث أن عاد بينهما بعدها الكَدَر من جديد، لا سيما بعد أن تعرّض المتنبي للإهانة في مجلس سيف الدولة من النحوي ابن خالوّيه أثناء مناظرةٍ بينهما، حيث شج الأول رأس المتنبّي بمفتاح كان في يده أثناءها، فخرج المتنبي من مجلس الأمير غاضباً يجر أذيال الخيبة، وضاق به المقام في حلب، فعزم على الرحيل إلى مملكة الإخشيديين.

خصائص العصر الذي عاش فيه المتنبي يمثل الأدب مرآةً تعكس صورة الحياة السياسية والاجتماعية، ويعتبر أدب المتنبي مثالاً حياً على ذلك، وصورةً بارزةً للحياة الفكرية والأدبية في عصره الذي عاش فيه، حيث عاش المتنبي في بدايات القرن الرابع الهجري في ظلّ الدولة العباسية، فعاصر تفكّك الدولة وتقسيمها إلى عدة دويلات، وكانت بغداد مركزاً للخلافة العباسية، غير أنّ السلطة الحقيقية كانت في أيدي عدد من الوزراء وقادة الجيوش من أصول غير عربيةٍ، فسيطروا على البلاد والعباد، فتحركت الفتن الداخلية، وتعددت المذاهب وظهرت الثورات، مثل الثورة القرمطية التي انضم إليها الكثير من أهل البصرة والكوفة، بالإضافة إلى تعرّض البلاد إلى غزو الروم في الشمال، الذين تصدّى لهم الحمدانيون، بقيادة سيف الدولة الحمداني أمير حلب، ويجدر الذكر أنّ إمارته هي الإمارة الوحيدة التي ظلت تحت سيطرة العرب، بعد أن سيطر الأعاجم على باقي الدويلات، وقد عُرف الحمدانيّ بشجاعته وحنكته السياسية، وخلّد المتنبي انتصاراته في حروبه مع الروم، واعْتُبر شعره سِجلاً تاريخياً لكل  أحداث هذه الحروب. نتيجةً للأحوال السياسية المتردّية التي مرّ بها العصر العباسي، تأثّرت الحياة الاجتماعية، ونشأت في المجتمع عدّة طبقات، هي؛ الطبقة العليا متمثلةً بالخلفاء، والوزراءِ، وحاشيتهم، وطبقة الإقطاعيين متمثلةً بقادة الجند، وموظفي الدوواوين، وكبار التجار، والصناع، والطبقة الدنيا، وهي طبقة العامة، المتمثلة بالمزارعين، والحرفيين، والخدم، والعبيد، وكانت الطبقة الأولى والثانية تعيشان في القصور في رغدٍ من العيش، بينما الطبقة الثالثة كانت تكابد الفقر، والظلم، والاستبداد، ورغم هذا الاضطراب في الأحوال السياسية والاجتماعية في ذلك العصر إلا أنّ الحركة الفكرية كانت تشهد نشاطاً منقطع النظير، فقد تعددت الثقافات، وتنوّعت الفلسفات، نتيجةً لامتزاج العنصر العربي بغيره من العناصر الأجنبية الأخرى، ما أدى لامتزاج الثقافات، فظهرت حركة الترجمة، وامتزجت الحكمة اليونانية، والفارسية، والهندية بالحكمة عند العرب، وقد تأثر المتنبي بهذا الازدهار الفكريّ، لا سيما وهو يمتلك قدراً كبيراً من الذكاء، والفصاحةِ، والبلاغة، وقوة التعبير، فتفرّد عن سائر شعراء عصره بالحكمة والفلسفة التي امتلأ بها شعره.

خلاصه تحقیق

أبو الطيّب المتنبي(303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي المذحجي، وجعفي جد المتنبي وهو جعفي بن سعد العشيرة من مَذحِج من كهلان من قحطان، وكندة التي ينسب إليها، محلة بالكوفة وليست كندة القبيلة. أبو الطيب المتنبي الكوفي المولد. نسب إلى قبيلة مذحج ولد في الكوفة. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب

پروژه های انجام شده

ما با تجربه‌ای گسترده در تحقیق، نویسندگی و ترجمه، پروژه‌های متعددی را با دقت، کیفیت بالا و استانداردهای علمی به انجام رسانده‌ایم.

خدمات ویژه

نگارش و تنظیم مونوگراف و تیزس ترجمه تخصصی مقالات و کتاب‌ها چاپ مقالات در ژورنال‌های معتبر برای دریافت مشاوره و همکاری ما در این پروژه ویژه، با ما تماس بگیرید! مشاوره دریافت کنید
المحسنات البدیعیة في سورة یوسف
1403/12/30 ادبیات عربی

سورة يوسف تُعَد من بين أروع السور في القرآن الكريم، ليس فقط من حيث مضمونها العميق الذي يتناول قصة النبي يوسف (عليه السلام)، بل أيضًا من حيث الأسلوب اللغوي الراقي الذي يعكس جماليات البلاغة القرآنية. يتميز النص القرآني في هذه السورة باستخدام مختلف الفنون البلاغية التي تضفي عليه رونقًا وجاذبية خاصة، وتُعتبر المحسنات البديعية واحدة

مشاهده
خلیل مطران حیاته الأدبیة
1403/12/30 ادبیات عربی

شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تجدیدًا واضحًا في الشعر العربي سواء کان ذلك على ید شعراء بأنفسهم أو تیارات شعریة لها أسسها وشعراؤها واستمر ذلك حتى دخل القرن العشرون وقبل أن یصل إلى منتصفه ظهرت تیارات الشعر الح ر ثم ما یسمى بقصیدة النثر إلى بقیة الأنماط التي راح الشعراء یدق ون أبوابها ناشرین قصائدهم في

مشاهده
الضمائر و أنواعها في سورة الكهف
1403/12/30 ادبیات عربی

القرآن الكريم هو مصدر غني بالأساليب اللغوية والبلاغية، ومن بين هذه الأساليب تبرز الضمائر التي تلعب دورًا محوريًا في بناء الجمل وتوصيل المعاني بشكل مباشر وموجز. سورة الكهف، كسورة مكية تحتوي على قصص ودروس عظيمة، تستخدم الضمائر بشكل متنوع لإبراز معاني النصوص وتوضيح الشخصيات والمواضيع المختلفة. يهدف هذا البحث إلى دراسة أنواع الضمائر في سورة الكهف وتحليل دلالاتها اللغوية والبلاغية.

مشاهده
كان وأخواتها في سورة يوسف
1403/12/30 ادبیات عربی

تُعدّ "كان وأخواتها" من أهم الأدوات النحوية في اللغة العربية، حيث تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الجمل الاسمية وتحويلها إلى جمل تحمل معنى الزمن أو الحالة المستمرة. في هذا البحث، سيتم التركيز على تحليل استخدام "كان وأخواتها" في سورة يوسف، وهي إحدى السور القرآنية المكية التي تتميز بأسلوبها اللغوي البليغ وسياقها السردي المؤثر.يهدف هذا البحث إلى دراسة الدور الذي تؤديه "كان وأخواتها" في السورة، وتحليل تأثيرها على المعاني والدلالات القرآنية في سياق الأحداث التي ترويها السورة

مشاهده
المناهج النقدية المعاصرة وتقويمها فی الأدب العربي
1403/12/30 ادبیات عربی

هو فن تفسير الأعمال الأدبية، وهو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره، للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية. والأدب سابق للنقد في الظهور، ولولا وجود لما كان هناك نقد أدبي لأن قواعده مستقاة ومستنتجة من دراسة الأدب. إن الناقد ينظر في النصوص الأدبية شعرية كانت أو نثرية ثم يأخذ الكشف عن مواطن الجمال والقبح فيها معللاً ما يقوله ومحاولاً أن يثير في نفوسنا شعور بأن ما يقوله صحيح وأقصى ما يطمح إليه النقد الأدبي، لأنه لن يستطيع أبداً أن يقدم لنا برهاناً علميا يقيناً

مشاهده
ابو طیب المتنبی و حیاته العلمی
1403/12/30 ادبیات عربی

أبو الطيّب المتنبي(303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي المذحجي، وجعفي جد المتنبي وهو جعفي بن سعد العشيرة من مَذحِج من كهلان من قحطان، وكندة التي ينسب إليها، محلة بالكوفة وليست كندة القبيلة. أبو الطيب المتنبي الكوفي المولد. نسب إلى قبيلة مذحج ولد في الكوفة. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب

مشاهده
فعل المضارع ودلالت في سورة المؤمنون
1403/12/30 ادبیات عربی

يعرف الفعل في اللغة العربية على أنه ؛ هو الحدث الذي يقترن بالزمن ، فأن جاء غير مقترن بالزمان فإنه يكون أسم أو مصدر الفعل ، وليس الفعل ذاته ، لأن الفعل هو ما دل على حدث وزمن ، والأزمنة في اللغة العربية تنقسم إلى ماضي ، ومضارع ، ومستقبل ) الأمر ( فإذا قلنا سافر محمد البارحة . هو الفعل الذي يدلّ على حدث مُحدّد وق ع في الزّمن الحاضر، ويتمّ صياغة الفعل المضارع في اللغة العربيّة بإضافة حرف من حروف المُضارعة إلى بداية الفعل الماضي

مشاهده
الهمزة ف ي الجزء الاخر
1403/12/30 ادبیات عربی

أكثر العلماء على أن الخليل بن أحمد الفراهيدي هو الذي جعل علامة للهمز ، وقد كان المتقدمون يجعلون علامته نقطة صفراء ويرسمونها فوق الحرف أبداً، ويأتون معها بنقط الإعراب الدالة على السكون والحركات الثلاث بالهمزة، وسواء في ذلك كانت صورة الهمزة واواً أو ياء أو ألفاً؛ إذ حق الهمزة أن تلزم مكاناً واحداً من السطر، لأنها حرف من حروف المعجم، و المتأخرون يجعلونها عيناً بلا عراقة، وذلك لقرب مخرج الهمزة من العين، ولأنها تمتحن به

مشاهده
المناهج النقدية المعاصرة وتقويمها فی الأدب العربي
1403/12/30 ادبیات عربی

هو فن تفسير الأعمال الأدبية، وهو محاولة منضبطة يشترك فيها ذوق الناقد وفكره، للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية. والأدب سابق للنقد في الظهور، ولولا وجود لما كان هناك نقد أدبي لأن قواعده مستقاة ومستنتجة من دراسة الأدب. إن الناقد ينظر في النصوص الأدبية شعرية كانت أو نثرية ثم يأخذ الكشف عن مواطن الجمال والقبح فيها معللاً ما يقوله ومحاولاً أن يثير في نفوسنا شعور بأن ما يقوله صحيح وأقصى ما يطمح إليه النقد الأدبي،

مشاهده